ساحرة الولايات المتحدة الأمريكية وأبخل امرأة في العالم

هيتي غرين : ساحرة الولايات المتحدة الأمريكية وأبخل امرأة في العالم

هيتي غرين سيدة أعمال أمريكية عاشت في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، وقد استطاعت خلال هذه الفترة تخليد اسمها بوصفها المرأة الأشد بخلًا على الإطلاق، فكيف كانت حياة هيتي غرين ؟
إذا ما ذُكر اسم هيتي غرين متبوعًا بوصف الساحرة كما هو موضح من العنوان فإن البعض قد يعتقد أننا نتحدث عن امرأة كانت ساحرة حقيقية، بمعنى أنها كانت تُمسك بعصي صغيرة وتُمارس أعمال السحر، لكن هذا الأمر في الحقيقة ليس صحيحًا، فهي لم تكن تمتلك أدنى علاقة بالسحر الذي يتبادر في أذهانكم الآن، بل كانت مجرد امرأة عادية أجادت سحر الأموال، وهو تعبير مجازي كذلك يتم استخدامه من أجل وصف حالة الثراء الشديد التي كانت عليه هيتي غرين، حالة ثراء جعلتها تُصنف كأغنى امرأة في العالم في فترة من الفترات، كما أنها قد تمكنت من حل أزمة وول استريت في تاريخ أمريكا القديم، والذي لم تكن فيه دولة عُظمى مثلما هو الحال الآن، عمومًا، قصة هذه المرأة قصة جديرة حقًا بالاهتمام والقص، وهذا ما سنفعله خلال السطور القادمة، حيث سنتعرف سويًا على القصة الكاملة لساحرة المال الأمريكية هيتي غرين، فهل أنتم مستعدون الآن لسماع قصة أبخل امرأة في التاريخ؟

من هي هيتي غرين؟

في الحادي عشر من نوفمبر القابع في عام 1834 ولدت هيتي غرين التي نتحدث عنها، قد حدثت الولادة في ولاية ماساتشوستس الموجودة في الولايات المتحدة الأمريكية، وقد كانت هذه الولاية في ذلك التوقيت من الولايات الشهيرة في أمريكا، لكن أمريكا نفسها لم تكن بالشهرة التي عليها الآن، فمن المعروف طبعًا أن أبناء العم سام لم يُكشروا عن أنيابهم سوى في القرن العشرين، وقد كان ظهورهم القوي بمظهر الأبطال وحماة العالم خلال الحرب العالمية الثانية، عمومًا لا دخل لهيتي بكل هذا، فقد كانت مميزة منذ صغرها، وعامةً يعتاد القراء عند التحدث بهذا الموقع عن الشخصيات الغريبة المُثيرة أن تكون شخصيات فقيرة عانت الأمرين خلال الطفولة، لكن بالنسبة لبطلتنا اليوم فقد عاشت بطولة لا تحلم بها أي فتاة أخرى، كيف لا وهي ابنة أغنى رجل أعمال في الولايات المتحدة الأمريكية، كيف لا وهي الابنة والوريثة الوحيدة له.

طفولة هيتي غرين

كما ذكرنا، فتحت هيتي عينيها في عام 1834 لتجد نفسها ابنة لأحد أكبر رجال الأعمال في الولايات المتحدة الأمريكية، فقد وصلت درجة الثراء الذي نعم والدها به إلى الحد الذي جعله مالكًا لأسطول بحري كامل، عدد لا نهائي من السفن كان تحته إمرته وتصرفه، هذا طبعًا بخلاف الكثير والكثير من المباني الضخمة والشركات، كانت ثرية هي وعائلتها، لكن شيء واحد فقط لا يُمكن للمال الوقوف بوجهه، وهو القدر، وقد أراد ذلك القدر أن تمرض والدة هيتي مرضًا خطيرًا يُقال أنه لم يكن قابل للشفاء، وذلك المرض كان يستوجب ألا تجلس الطفل هيتي مع أمها، أو بمعنى أدق، ألا تعيش معها تحت سقف واحد، وهنا كان التغير الذي حول بوصلة حياة هيتي للأبد.
كان الأمر في ظاهره سيء، فأي طفلة بالتأكيد تكون في حاجة إلى والدتها حتى سن مُعين، لكن هيتي قد انتقلت للعيش مع جدها في بيته، أو قصره إن أردنا تعبيرًا مُناسبًا، فقد كان هو الآخر ثريًا، لكن ما حدث داخل ذلك البيت لم يكن مجرد حياة عادية، وإنما يُمكننا القول إن ذلك المنزل كان هو القارب الذي أخذ هيتي إلى حياة جديدة أصبحت بها ساحرة الولايات المتحدة الأمريكية الأولى، أو ساحرة وول ستريت على وجه التحديد.

صناعة سيدة أعمال

إذا قلت لشخص أنك تُريد أن تصنع منه رجل أعمال ناجح فإنه سيسخر منك بكل تأكيد، وذلك لأن هذا الأمر ببساطة لا يتم بهذه الطريقة، بمعنى أدق، لا يكفي أن يُريد الشخص أن يُصبح رجل أعمال لكي يُصبح في النهاية رجل أعمال، وإنما النشأة هي المُحددة لذلك بنسبةٍ كبيرة، وبالفعل كانت نشأة هيتي غرين في بيت جدها آلة حقيقية لصناعة سيدة أعمال من الطراز الأول، فقد كان جد هيتي عاشقًا للاقتصاد، وبالتالي كان يطلب من هيتي كل ليلة أن تقرأ له الجرائد الاقتصادية، وأيضًا كانت الفتاة الصغيرة تقرأ الوثائق المالية، لذلك تم عجنها بعجينة الشخصيات الاقتصادية، لكن هل يكفي هذا؟
في سن الرابعة عشر فقط تعينت هيتي كمحاسبة للأسرة بأكملها، وقد كانت تلك الأسرة بالطبع تمتلك تاريخ اقتصادي كبير وعدد لا بأس به من الحسابات المصرفية والمتاجر، كل هذا كان تحت إمرة هيتي التي بدا واضحًا أنها تُربى كي تُصبح فيما بعد غول اقتصادي جديد، حتى دراستها في جامعة بوسطن عند تجاوزها لسن السادسة عشر كانت مُتخصصة كذلك في المال والأعمال، وهكذا بالضبط يتم صناعة سيدة الأعمال المثالية.

الثراء يأتي لسيدة الأعمال

صحيح أن هيتي كانت ثرية لكنها لم تكن ثرية بنفسها، بل كانت عائلتها هي الثرية وكانت الفتاة فقط تحت كنفهم، بمعنى أن الأموال لم تكن لها ويحق لها التصرف بها في أي وقت، لكن في عام 1864 تغير هذا الأمر، حيث ورثت هيتي من والدها المتوفي ثروة كبيرة بحساب ذلك التوقيت، فقد كان الإرث حوالي سبعة ملايين دولار، وإذا أردت تحويل هذا المبلغ إلى أموال الزمن الحالي فسوف تكون القيمة حوالي مئة وخمسين مليون دولار، تخيلوا أن فتاة بالكاد تتجاوز الخامسة والعشرين من عمرها تمتلك كل هذه الأموال، ما الذي ستفعله بها يا تُرى؟
في ظروف طبيعية لفتاة طبيعية من فتيات أمريكا كان من الممكن جدًا أن تبدأ هيتي بجلب كل أنواع المتعة لها، فهي تمتلك المال الوفير الذي يُمكنها من خلاله شراء ما تشاء وقضاء أمتع فترات حياتها، لكن العقلية الاقتصادية التي تربت عليها جعلتها تستغل ذلك المال جيدًا من خلال شراء سندات حرب، فقد كانت الحرب الأهلية في الولايات المتحدة الأمريكية مشتعلة في ذلك التوقيت، وهو ما انعكس على الأموال التي اشترت بها هيتي السندات، والتي تضاعفت إلى أضعاف مضعفة، لتتحول السيدة الثرية إلى سيدة فاحشة الثراء، وربما مع ذكر كل ما مضى تقولون أننا نتحدث عن سيدة عظيمة بحق، لكن ذلك فقط الجانب المضيء في قصتها، بقي لكم معرفة الجانب المظلم المتعلق بالبخل.

مظاهر بُخل هيتي غرين

في البداية يجب أن تعرفوا أمر هام جدًا، وهو أن هيتي غرين عندما توفيت كان في خزانتها ما يزيد عن المائتي مليون دولار، وهو رقم يعني أننا نتحدث عن سيادة كانت تعيش في حالة ثراء لا حد لها، حيث أن تلك الثروة سابقًا كان تُشبه المائتي مليار حاليًا، لكن لحظة واحدة، لا تتسرعوا بالحكم على حياة امرأة ثرية مثل غرين، فقد ضربت أبرع الأمثلة في البخل، ونحن على سبيل التأكيد سوف نذكر لكم أبرز مظاهر ذلك البخل، ولتكن البداية مع قدم طفلها المكسورة.

تشوه أبدي بسبب البخل

تزوجت هيتي غرين وأنجبت أطفال، هذه سنة الحياة، لكن، وعندما كانت هيتي تمتلك في حساباتها البنكية ملايين الدولارات، سقط طفلها من أعلى سطحٍ طويل وأُصيبت قدمه، وهنا في هذه الحالة يُمكن القول إن سيدة ثرية مثل هيتي سوف تدفع كل ثروتها لعلاج طفلها، سوف تُرسله على الأقل لأفضل مستشفى في العالم وليس فقط في المدينة التي تعيش بها، لكنها، وكمعجزةٍ صغيرة، أرسلت طفلها إلى مستشفى حكومية من أجل الحصول على علاج بالمجان، امرأة تمتلك ثروة بالملايين وتُعتبر من أثرى أثرياء العالم أرادت الحصول على علاج بالمجان! عمومًا، تطورت الأمور وفسدت القدم نتيجة لهذا العلاج السيئ، وعليه فقط تم قطع القدم، لتكون هذه اللعنة الأولى لبخل هيتي غرين الشنيع.

عدم تعيين موظفين أو إنشاء شركات

من البديهي أن امرأة بهذا الثراء سوف تُنشئ شركة محاسبات كبيرة لإدارة مالها، وسوف تُعين موظفين مرموقين قادرين على مساعدتها في تحقيق هذا الغرض، لكن، وللغرابة الشديدة، حجزت هيتي مكتبًا صغيرًا بإيجار قليل وكدّست فيه كل الأوراق والسندات، وأيضًا لم تُعين موظف واحد، ولو حتى من أجل حمل كل هذه الأوراق التي تحوي مصالحها، وقد كان المُنظر مُدهشًا للجميع وهم يرون هيتي بكل هذا الثراء وفي نفس الوقت لا تجد لها مكتبًا وموظفين من أجل المساعدة.

التقشف المنزلي الشديد

دعونا ندخل الآن منزل السيدة الأكثر ثراءً في هذا التوقيت، وربما السيدة الأولى من حيث الثراء في التاريخ بأكمله، فأولًا هذا المنزل لا يدل حتى على أنه منزل لموظف يتقاضى ألف دولار في الشهر، هذا الأمر سيتضح بشدة من الأثاث البالي، وكذلك الطعام، والذي كان كارثة حقيقية، حيث أن هيتي لم تأكل اللحوم والشحوم، وإنما كان طعامها عبارة عن فطيرة صغيرة، وقد ظلت تأكلها لفترة طويلة، أما إذا اتجهت نحو الدولاب، وكلنا نعرف طبعًا ما الذي يعنيه الدولاب بالنسبة للنساء، فلن تجد سوى فستان واحد أسود، وهذا الفستان هو الشيء الوحيد الذي كانت ترتديه هيتي في كل المناسبات، سواء كانت سعيدة أو حزينة، قريبة أو بعيدة، أي مكانٍ كان، في النهاية سوف تطل هيتي غرين بالأسود.
لكي نوضح لكم البخل بصورة أكبر دعونا نذكر لكم هذه الكارثة التي حدثت في أحد الليالي، حيث كانت هيتي تُريد إرسال مظروف عاجل لأمر عاجل، وكان يلزمها شراء طابع من أجل الإرسال، بيد أن الطابع الرخيص الذي كانت تتعامل به لم يكن موجودًا، وكان ثمة طابع آخر يزيد عنه بمبلغ صغير، لكن هيتي، ولكيلا تدفع هذا المبلغ، لم تشتري الطابع ولم تُرفض المظروف لتتعطل أحد المصالح الهامة بالملايين فقط من أجل مبلغ صغير في طابع بريد!

نهاية هيتي غرين

لم يترك البُخل هيتي غرين حتى عند موتها، والذي جاء بالمناسبة في عمر الحادية والثمانين، فقد قيل أنها في هذا العمر جلبت خادمة من أجل خدمتها والقيام بمشاغل البيت التي من الصعب على أي امرأة في هذا العمر القيام بها، وفي يوم من الأيام طلبت هذه الخادمة أن تُحضر معها خادمة أخرى لأن مشاغل البيت كثيرة ولا يُمكنها القيام بها بمفردها، إلا أن غرين رفضت وأصرت على هذا الرفض، ثم تطاولت على الخادمة وانقلب الأمر إلى شجار انتهى بمأساة، وهي طعن الخادمة لهيتي وموتها في الحل، ليكون البخل وتوفير نفقات الخادمة الثانية سبب مباشر في قتلها، عمومًا، ماتت هيتي، لكن البخل لم يمت معها، فقد اكتُشف أنها قبل موتها، وعلى سبيل الحب الشديد لأموالها، قامت بإقناع زوجها بتوقيع ما يُفيد عدم حصوله على أي أموال أو مُمتلكات من ممتلكاتها التي تركتها!

تعليقات

المشاركات الشائعة